سورة الطور - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)}
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} إلى آخره إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى وترك العاطف بجعل الثاني بيانًا للأول ادعاءًا للمبالغة في وجوب عدم انفكاك كل منهما للآخر ولا يخفى ما فيه، والذي يظهر أن هذا إشارة إلى الرجاء وترك العطف لقصد تعداد ما كانوا عليه أي إنا كنا من قبل ذلك نعبده تعالى ونسأله الوقاية {إِنَّهُ هُوَ البر} أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان كبرّ في يمينه أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ويلزمه الإحسان للغير، وأبرّ الله تعالى حجة أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة، وأبرّ فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبًا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف كما روي عن ابن عباس، أو العالي في صفاته، أو خالق البرّ، أو الصادق فيما وعد أولياءه كما روي عن ابن جريج بعيد إلا أن يراد بعض ما صدقات، أو غايات ذلك البر؟ {الرحيم} الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب، وقرأ أبو حيوة {ووقانا} [الطور: 27] بتشديد القاف، والحسن. وأبو جعفر. ونافع. والكسائي {أَنَّهُ} بفتح الهمزة لتقدير لام الجر التعليلية قبلها أي لأنه.


{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)}
{فَذَكّرْ} فاثبت على ما أنت عليه من التذكير بما أنزل عليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل.
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبّكَ بكاهن} هو الذي يخبر بالغيب بضرب من الظن، وخص الراغب الكاهن ن يخبر بالأخبار الماضية الخفية كذلك، والعرّاف ن يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك، والمشهور في الكهانة الاستمداد من الجن في الإخبار عن الغيب، والباء في {بكاهن} مزيدة للتأكيد أي ما أنت كاهن {وَلاَ مَجْنُونٍ} واختلف في باء {بِنِعْمَتِ} فقال أبو الباقء: للملابسة؛ والجار والمجرور في موضع الحال والعامل فيه كاهن، أو مجنون، والتقدير ما أنت كاهن ولا مجنون ملتبسًا بنعمة ربك وهي حال لازمة لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبسًا بنعمة ربه عز وجل، وقيل: للقسم فنعمة ربك مقسم به، وجواب القسم ما علم من الكلام وهو ما أنت بكاهن ولا مجنون وهذا كما تقول: ما زيد والله بقائم وهو بعيد، والأقرب عندي أن الباء للسببية وهو متعلق ضمون الكلام، والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله تعالى عليك، وهذا كما تقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه، والمراد الرد على قائل ذلك، وإبطال مقالتهم فيه عليه الصلاة والسلام وإلا فلا امتنان عليه صلى الله عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقيل: الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله، والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وممن قال كاهن: شيبة بن ربيعة، وممن قال مجنون: عقبة بن أبي معيط.


{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)}
{أَمْ يَقُولُونَ} أي بل أيقولون {شَاعِرٌ} أي هو شاعر {نَتَرَبَّصُ} أي ننتظر {بِهِ رَيْبَ المنون} أي الدهر، وهو فعول من المنّ عنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها، ومنه حبل منين أي مقطوع، والريب مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر وصروفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة، وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أي نزل، والمراد بنزوله إهلاكه، وتفسير المنون بالدهر مروى عن مجاهد. وعليه قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها *** تطلق يومًا أو يموت حليلها
وبيت أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبة يتوجع *** والدهر ليس بمعتب من يجزع
قيل: ظاهره ذلك؛ وكذلك قول الأعشى:
أأن رأت رجلًا أعضى أضرّ به *** ريب المنون ودهر متبل خبل
ولهذا أنشده الجوهري شاهدًا له، وأخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس تفسيره بالموت وهو مشتكر بين المعنيين فقد قال المرزوقي في شرح بيت أبي ذؤيب المار آنفًا: المنون قد يراد به الدهر فيذكر وتكون الرواية ريبه، وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روى ريبها، وقد يرجع له ضمير الجمع لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها انتهى فلا تغفل، وهو أيضًا من المنّ عنى القطع فإنها قاطعة الأماني واللذات، ولذا قيل: المنية تقطع الأمنية، وريب المنون عليه نزول المنية، وجوز أن يكون عنى حادث الموت على أن الإضافة بيانية، روي أن قريشًا اجتمعت في دار الندوة وكثرت آراؤهم فيه عليه الصلاة والسلام حتى قال قائل منهم وهم بنو عبد الدار كما قال الضحاك تربصوا به ريب المنون فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير. والنابغة. والأعمشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت، وقرأ زيد بن علي {يتربص} بالياء مبنيًا للمفعول، وقرئ {بِهِ رَيْبَ} بالرفع على النيابة.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13